التطرف في أي قضية يضعفها إلى حد كبير، وربما يؤدي إلى تلاشيها، ويمكن أن نستحضر الكثير من الأمثلة عن خروج جماعات في التاريخ عن خط الاعتدال الفطري. فالتطرف في الأديان أدى إلى نهايات مؤلمة، وكذلك في النظريات المادية كانت هناك دماء وآلام، وتجربة الغرب تجربة ثرية على صعيدي الأديان والسياسة، ويمكن الاستفادة منها، ولا حاجة للانسياق خلف تجارب جديدة، مادام لدينا ما يسعفنا لمواجهة التطورات السياسية الحالية.
عندما أبطلت المحكمة الدستورية مجلس 2012 الأول كان هناك رد فعل متطرف من بعض نواب ذلك المجلس، وصل إلى حد التشكيك بالقضاء، والتلميح بأنه أداة للسلطة التنفيذية، تستخدمه في الشأن السياسي متى ما أرادت، وقد تحول ذلك القضاء إلى مرمى للسهام الشعبية، وكأنما اتهامات ذلك الفصيل المتطرف في الرأي حقيقة لا يمكن التشكيك فيها، ما أدى إلى خلق أجواء من عدم الثقة، وهو أمر لا ينبغي للسياسيين الاقتراب منه.
عندما استخدم سمو أمير البلاد صلاحياته الدستورية من خلال المادة 71 من الدستور بتعديل قانون الانتخاب وتخفيض عدد الأصوات الممنوحة للناخب من أربعة إلى صوت واحد عاد الصوت المتطرف ليشكك مرة أخرى في تلك الصلاحية، رغم استخدامها مئات المرات من جانب الحكومة. ورغم أن المشرع ترك قناتين للإرادة الشعبية، لمواجهة استخدام مثل تلك الصلاحيات الدستورية، من خلال عرض المراسيم على مجلس الأمة، والتصويت عليها، ومن خلال المحكمة الدستورية، فإن التعبير عن المعارضة لمرسوم الصوت الواحد شهد نوعا من التطرف أيضا، وكانت أجواء التهديد سيدة الموقف.. رغم كل تلك الأدوات الدستورية، ورغم الأدوات الشعبية، مثل المسيرات والاعتصامات السلمية، وكان التعبير يومها بعيدا عن تلك الأدوات الدستورية والشعبية التي ينظمها الدستور، وكان هناك تطاول على سمو الأمير ومساس بالذات الأميرية، وهو أمر لا يقبله من يحترم الدستور ويقبل بنصوصه، حتى لو كانت الإجراءات
غير دستورية.
الآن، هناك فرصة للمراجعة الجذرية للمواقف السياسية المتطرفة، وخصوصا مع وجود تلك الأجواء الهادئة، والجزم بأن تلك المواقف لم تخدم القضية المطروحة على الساحة، والعمل على قدم وساق من أجل استبدالها بمواقف أكثر اعتدالا، من خلال عمل سياسي منظم يتجاوز كل تلك الأخطاء، ويؤسس لمرحلة جديدة من العمل الوطني، ولتكن السنوات الأربع المقبلة استراحة محارب.
المصدرجريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق